هل لاحظت معي أن أكثر الناس فراغاً هم أكثرهم ضيقاً بالحياة وافتقاداً للسعادة ؟.. هل تعرف السبب ؟ .. أنا أعرفه .. لأن من أكثر أسباب شقاء الإنسان ضيق أفقه وكثرةانشغاله بنفسه وتفكيره فيها باستمرار كما لو كانت محور الكون .. – عبد الوهاب مطاوع
المُنتقِد الأعمى، هو ما أسميته الأشخاص الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة لانتقاد الآخرين و التقليل من شأنهم والسعي حثيثًا لاستنقاصهم أو استنقاص أعمالهم. وهذا بطبيعة الحال لا يشمل النقد البناء، أو نقد الظواهر المجتمعية بدون المساس بالأشخاص. جزء من طبيعة النفس البشرية يدفعنا للحاجة بالشعور بالنجاح، بالقيمة والأثر بطريقة أو أخرى. بعضنا القليل يفعل ذلك بالانشغال و الصراع لصناعة ما يجعله ناجحًا، أما البقية فطريقها الأسهل والأسرع هو بانتقاد الآخرين والتقليل منهم بسبل شتى كميكانيكة نفسية خفية غير مُدرَكة مفادها : انتقاد الآخرين بطريقة غير بناءة للشعور بأنهم ليسو أقل من غيرهم وأن نجاح الآخرين لا يُذكر وغير كافي.. اعتراف ضمني بشكل مثير للسخرية بأن الآخرين تقدموا والمنتقد الأعمى لا يزال ثابتًا يوزع الأحكام ليشعر بأنه أفضل. هذا يحدث عادة عند الشعور بالغيرة، أو الشعور بالنقص والتنافس الوهمي. أو ترسبات من طفولة واجهت نقد كبير من الوالدين أو البيئة المحيطة.
يقول المؤلف الفرنسي جولز رينارد: “إن نقدنا يدور حول إلقاء اللوم على أشخاص آخرين لعدم امتلاكهم المميزات التي نعتقد أنها لدينا.” لذلك فإن النقد الموجه للشخص يعبّر في مرات كثيرة عن الشخص الناقد وليس المُنتَقَد، يكشف لك الكثير عن الناقد، نقصه وعقده والكثير من صراعاته التي لم يحلّها بعد، قد يكشف لك تخبطه و الكثير من ضيق أفقه، إذ لا يرى في الحياة سوى ما يؤمن به، لا يرى الآخرين إلا من منظور النقد والعمل على إيجاد الثغرات والتي هو وحده ومن على شاكلته يراها ثغرات. أظهرت لنا الشبكات الاجتماعية مكنونات النفوس، وكشفت لنا مواقع الصراحة والأسئلة ما تخبئه نفوس من هم حولنا. أصبحنا نمسي ونصبح على هاشتاق ينتقد أشخاص بشراهة وعطش للنقد والتشفي العلني. استبحنا خلقة الله باسم أنهم فنانات وفنانون ويحق لنا انتقاد أشكالهم وكيف ظهروا بذلك الفستان أو التسريحة بتنمر عجيب و تحت أحقية انتقاد مظهر المشاهير بشراسة لأنهم فقط مشاهير. انتقلنا من نقد وكلام محبط إلى تنمر وانتقادات لاذعة لا بد وأن تؤثر في الإنسان مهما كان قويًا. ما من كلمة سيئة تمرّ بلا أثر، ما من كلمة سيئة تعبر دون أن تترك وراءها ندبة يطول شفاؤها.
علمني الواقع: أن أكثرهم انتقادًا ، أكثرهم غفلة عن عيوب نفسه. رأيت ذلك بأم عيني في نفسي ومن حولي. كلما ضاق أفق الشخص كثر نقده. وكلما كثر انتقاده لغيره زاد حبه لنفسه بطريقة خاطئة. وعلى قدر غفلته عن عيوب نفسه تكون حدة انتقاداته للآخرين من برجه العاجي وكأنه محور الكون ومعيار التميز والصفات الحميدة. لا شيء يعجبهم، لا شيء يجعلهم قادرين على صياغة كلمات الثناء بكل لطف. لا يعرف هؤلاء المنتقدين النعيم الحقيقي بالانشغال بعيوب النفس وصنع التأثير بما يملكه من مؤهلات ومقومات وظروف، لم يتذوقوا يومًا لذة بناء النفس وتقويم الزلات والتقدم بخطوات بسيطة نحو السلام النفسي. لم يجرب ذلك المتنمر كيف هو الشعور الطيّب بالإعراض عن الآخرين والتركيز على ما نعتقد أنه نقص، لم يختبروا يومًا مجافاة كل ما يشجع على أذية الآخرين وصب جام غضبهم على بشر مثلهم ، يتخبطون كما هم يفعلون، يصارعون كما هم يفعلون ويُحبطون كما يتعرض البشر كلهم لذلك. لا يعرفون الأثر الطيب في أنفسهم قبل الآخرين حينما نوجه كلمات طيبة ومحايدة.
فلنتذكر قبل أن نهمّ بحفلات الانتقاد والتنمر: ” رب كلمة يراها صاحبها عابرة، وهي في الآخرين غائرة “.. أخاف أن ألاقي الله بجرح غائر في أحدهم كلفه طمأنينته واستكنانه وشعوره الطيب تجاه نفسه.
No comments:
Post a Comment